دراسة تحليلية لمشروع القانون 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية.




الطالب الباحث: فخصي معاذ
ماستر القانون المدني والتجاري كلية الحقوق الدار البيضاء


لتحميل النسخة الرقمية: PDF


 دراسة تحليلية لمشروع القانون 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية.



تقديم
      إن الدولة في علاقتها مع الشعب والمواطنين تتلون وتتغير بحسب المجال و المناط، و الأساس أن لها واجبات على عاتقها وجبها الامثثال لها وتحقيقها، بدءا بالأمن و السلم ووصولا للحقوق المدنية و الاقتصادية و الاجتماعية، وفي مقابل ذلك فللأفراد على الدولة واجبات ولها عليهم حقوق مختلفة من بينها، الامثثال لسياستها المشروعة والعمل على إنجاحها، والاجتماع يدا واحدة أمام المصلحة العامة، واحترام الوطن و التسلح بالروح الوطنية، وتحقيقا لذلك الأخيرة، تعمل الدول منذ القديم على نهج ما يسمى بالخدمة العسكرية أو التجنيد الإجباري للأفراد، هذه الخدمة الاجبارية غالبا ما تهذف حسب المراسيم و القوانين المنظمة لها إلى تقوية التضحية في سبيل الوطن وتعزيز روح المواطنة والتضحية، فقد جاء في المرسوم الملكي رقم 137.66 بتاريخ 20 صفر 1386 يونيو 1966 ما يلي : " وعلاوة على هذا فإننا نقصد من وراء الخدمة العسكرية أن نقوي في أفراد شعبنا المفروضة عليهم الخدمة العسكرية روح الامثثال ومزايا الاخلاص والايثار و التضحية في سبيل القضايا التي تتجاوز المصالح الفردية إلى المصالح العليا للأمة".
وقد نظم وفقا لهذا المرسوم الخدمة العسكرية آن ذاك في المغرب و المعلن عليه من طرف الملك الحسن بن محمد بن يوسف أثناء فترة الاستثناء التي كان يعيشها المغرب آن ذاك. وقد صدر مؤخرا مشروع قانون 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية، ليحيي من جديد هذه الخدمة ويعيد تطببقها ويدعو إلى الامثثال لها، هذا المشروع الذي خلف جدلا كبيرا في الوسط الاجتماعي المغربي، بين مؤيد له من جهة، ومعارض له من جهة أخرى، وبين مطالب بتعديل بعض النقط القانونية فيه، كما خلف العديد من المغالطات القانونية و المعلومات الخاطئة، والتي لا وجود لها في النص الأصلي للمشروع، مما دفعنا لإجراء هذه المحاولة البسيطة لتنوير الرأي العام وتحليل مواد هذا المشروع ومايضمه من مقتضيات قانونية وإشكالات عملية وواقعية لتعم الفائدة.
فما هي إذن أهم أهذاف هذا القانون؟ وماذا يضم ضمن طياته من سطور؟ ومن هم الأشخاص الخاضعون له؟ والمدة المحددة؟ وماهي حقوق وواجبات الأشخاص الخاضعين له؟ وماهي الجزاءات والعقوبات المحددة في حال الاخلال به؟
أسئلة وغيرها نقترح الاجابة عنها معتمدين نفس التقسيم الذي نهجه المشرع على الشكل الآتي:

الباب الأول: نطاق التطبيق

الباب الثاني: مدة الخدمة العسكرية والادماج في الجيش الرديف

الباب الثالث: الحقوق و الواجبات

الباب الرابع: الجزاءات والأحكام الجزرية.



الباب الأول: نطاق تطبيق الخدمة العسكرية وفق مشروع القانون 44.18.
       إن أول ما تجذر الإشارة إليه، هو أن هذه الصيغة الحالية لهذا القانون، ما هي إلا مشروع قانون وضع من طرف الحكومة في إطار سلطتها الممنوحة لها دستورا في مواكية التشريع و التدخل فيه من خلال مشاريع القوانين التي تقوم بوضعها، وبذلك فوجب أن يمر هذا المشروع من المراحل التشريعية العادية له، من إحالة على البرلمان بغرفتيه والموافقة عليه، ثم المصادقة الملكية ثم الإصدار في الجريدة الرسمية، ليحدد أجلا لبدء سريانه ودخوله حيز التطبيق، وبذلك فكل ما تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي من صور لإستدعاءات إدارية وغيرها تفيد الأمر بالحضور وأداء الخدمة العسكرية، ماهي إلا صور مغلوطة ومصطنعة، إذ لا يمكن بدء إرسال الاستدعاءات و الصيغة ما هي إلا عبارة عن مشروع قانون لم يكمل مراحله التشريعية بعد.
أما عن نطاق تطبيق هذا المشروع فقد استهل المشرع الباب الأول المسمى ب نطاق التطبيق بتوضيح الهذف الأسمى من فرض هذه الخدمة وهي مساهمة الجميع في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية، فحدد الأشخاص المعفيين من أداء هذه الخدمة لاعتبارات عدة، ومسألة الاعفاءات هذه بدورها كثرة فيها أيضا المغالطات في الوسط الاجتماعي المغربي، بينما النص واضح وصريح، ويمكن تقسيم هذه الشريحة المعفية إلا فئتين، فئة منصوص عليها في المادة 1 وفئة منصوص عليها في المادة 2، غير أن الفئة المنصوص عليها في المادة 1 استهل المشرع فقرتها بعبارة "يمكن" وهو ما يفيد الإمكان من عدمه، مما ينتج معه وحسب توجهنا المتواضع أن إعفاء هذه الفئة المنصوص عليها في المادة 1 هو ممكن وليس قطعي، وتتمثل هذه الفئة على الشكل الاتي:
-    العجز البدني او الصحي المتبث بتقرير طبي صادر عن المصالح الاستشفائية العمومية المؤهلة؛
-        إعالة الأسرة والتي قد تطرح إشكالا عن كيفية إتباثها؛
-        الزواج بالنسبة للمراة أو وجود أطفال تحت حضانتها او كفالتها؛
-        متابعة الدراسة؛
-        وجود أخ او أخت في الخدمة العسكرية باعتباره مجندا؛
-    وجود أخ او أخت أو أكثر يمكن استدعاؤهم في الوقت نفسه للخدمة العسكرية ففي هذه الحالة لا يمكن ان يجند إلا واحد منهم فقط.
أما عن الاعفاءات المؤقتة فيعفى مؤقة عند مزاولة مهامهم أعضاء الحكومة و البرلمان وبعض فئات موظفي وأعوان الدولة والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات والمقاولات العمومية التي تقتضي المصلحة العامة الاحتفاظ بهم في مهامهم، ولم يحسم المشرع في هذا التعداد وأحال في شأن ذلك إلى نص تنظيمي، لكن النقاش الذي قد يطرح هنا هو أن هذه الفئات قد تبقى معفية من أداء الخدمة مادام هذا النص التنظيمي لم يرى النور، وكثير هي القوانين التي أحالت في مقتضياتها إلى نصوص تنظيمية ولم تصدر وعشرات السنين مما يضر بمصالح البعض ويخدم مصالح البعض الآخر، خاصة أن هذه الفئة أعلاه تمثل بعض الشرائح الاجتماعية الحساسة التي يقتضي المنطق و العقل و القانون المساواة في التعامل معها وخضوعها كباقي الشباب الاخر إلى هذه الخدمة.
أما المادة 2 والتي تخص الفئة الثانية، فقد حسمت قطعا في إعفاء المحكوم ضدهم بعقوبة جنائية أو عقوبة حبسية نافذة تجاوزت ستة اشهر، وذلك مالم يرد اعتبارهم وفقا لكيفيات ومسطرة رد الاعتبار المنصوص عليها في ق.م.ج.











الباب الثاني: مدة الخدمة العسكرية والادماج في الجيش الرديف.
     خلفت مدة الخدمة العسكرية والسن القانوني للمجندين جدلا واضحا ومغالطات شتى ما بين المواطنين، بيد أن المشروع واضح الدلالة و المعاني في شان ذلك، حيث استهل المشرع الباب الثاني بتحديد المدة المستغرقة في الخدمة العسكرية، والمحددة في 12 شهرا كاملا، هذه المدة التي قد تزيد أو تنقص حسب الأحوال و المصلحة، أما السن الأدنى للخضوع لهذه الخدمة فهو 19 سنة وحدد السن الأقصى في 25 سنة، وذلك يعني أن الأشخاص المتراوحة أعمارهم ما بين 19 و 25 سنة هم المعنيون بأداء هذه الخدمة، لكن الفقرة الأخيرة جاءت بمقتضى مهم مفاده أن الأشخاص الذين استفادوا من الاعفاءات السالفة الشرح المنصوص عليها في المادة 1و2 سيتم الشروع في إعادة استدعاءهم وأداءهم للخدمة العسكرية بعد رفع الرخصة عليهم والتي كانوا يستفيدون من الاعفاء بسببها، وذلك لمدة بلوغ المعني بالأمر 40 سنة، فنفترض جدلا أن شخص عمره 20 سنة ويدرس في الجامعة، فتم استدعاءه وأدلى للسلطات الإدارية بشهادة مدرسية جامعية تتبث أنه طالب بالجامعة، لكنه وبعد اتمام الدراسة وعدم توفر فيه أي شرط آخر من الشروط المعفية ييتم استدعاءه مجددا وسيؤدي الخدمة العسكرية آنذاك، ومدة المتابعة حددها المشرع في بلوغ المعني بالأمر سن 40 سنة.
وبعد أداء مدة التجنيد فإن المجندون يدمجون في الجيش الرديف وفق المادة 5 من المشروع.
الباب الثالث: الحقوق والواجبات.
      للمجندين حسب المشروع حقوقا يتمتعون بها، والتزامات يخضعون لها، و الملاحظ هو أن المشرع أحال في شأن ذلك إلى الأنظمة و القوانين العسكرية الجاري بها العمل، مما يعطي للمجندين ضمانات أكبر وحقوق أسمى، فيخضع المجندون وفق المادة 6 من المشروع للقوانين والأنظمة العسكرية بحقوقها وواجباتها، كالقانون 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري، والقانون 01.12 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين ...الخ.
كما تخول لهم رتبة عسكرية وفقا للنظام الرئاسي التسلسلي الجاري به العمل في القوات المسلحة الملكية. ويمكن أن يوضع المجندون المتوفرون على كفاءة تقنية او مهنية رهن إشارة الادارات العمومية، كما يستفيد المجندون أيضا من أجرة وتعويضات تحدد بنص تنظيمي، مع استثناء بعض الفئات المحددة في المادة 14 من نفس المشروع، ولا تخضع هذه الأجرة والتعويضات لأي اقتطاع ضريبي او غيره.
ومن حقوقهم ايضا أنهم يستفيدون من اللباس والتغدية مجانا، وتغطية حاجياتهم وفق الأنظمة العسكرية الجاري بها العمل، ومن الحقوق الممنوحة نصا، أنهم يستفيدون هم و العسكريون على حد سواء من العلاجات والمؤسسات الاستشفائية والتغطية الصحية والتأمين عن الوفاة و العجز والمساعدة الطبية و الاجتماعية، وعند انتهاء المدة المحددة يسرح المجندون، وقد يسرحون قبل انتهاء المدة كما قد يسرحون بعدها ان استدعت الضرورة و المصلحة ذلك.
ومن الواجبات الواقعة على المجندين، التقيد بواجب التحفظ وحماية أسرار الدفاع من وقائع ومعلومات ووثائق ولو حتى بعد تسريحهم تحت طائلة غرامات منصوص عليها في الأنظمة العسكرية الجاري بها العمل.
ومن المسائل الأساسية التي وحب توضيحها هو المادة 14 من المشروع والتي خلفت بعض الغموض واللبس لدى الباحثين، فالمادة 8 السالفة الشرح استثنت الفىة المنصوص عليها في المادة 14 من الخضوع للأجرة و التعويضات وفق النص التنظيمي الذي سينظمها، وحددت المادة 14 هذه الفئة في موظفوا وأعوان الدولة والجماعات الترابية ومستخدموا المؤسسات والمقاولات العمومية وما في العيئات الخاضعة للقانوت 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى. فعلى الرغم من أنهم سيخضعون لإدارة الدفاع الوطني خلال مدة تجنيدهم لكنهم سيحتفظون بالتبعية لإدارتهم الأصلية في شأن أجرتهم وتعويضاتهم ورواتبعم، وبذلك فلن يتم المساس بأجرهم ونظام تعويظهم الجاري بهم العمل وفق إداراتهم الشغلية. وسيستفيدون إضافة لذلك من التأمين عن الوفاة والعجز والمساعدة الطبية والاجتماعية على غرار العسكريين، وعند انتهاء مدة أداءهم للخدمة العسكرية يرجعون إلى إدارتهم الأصلية.

الباب الرابع: الجزاءات و الأحكام زجرية.
     يتساءل العديد من المواطنين عن مصير عدم الامثثال للخدمة العسكرية بعد الاحصاء و الاستدعاء، وماهي العقوبات المحددة في شأن ذلك؟
والجواب على ذلك واضح وصريح نصا، حيث خصص المشرع الباب الرابع من المشروع للأحكام الزحرية، فحدد في المادة 15 عقوبة تتراوح ما بين شهر وثلاثة أشهر وغرامة ما بين 2.000 الى 5.000 درهم في حق كل شخص خاضع لهذه الخدمة وتم استدعاءه للإحصاء أو للإنتقاء الأولي ولم يستجب لذلك دون سبب مقبول، وتبقى عبارة السبب المقبول والحالة هذه غامضة وغير مضبوطة، فهل يعني بها المشرع الأسباب المعفية المنصوص عليها سلفا؟ أم أن ذلك يخص أي سبب آخر يعد منطقيا ومقبولا؟ مما يدفع للتساؤل عن حول المواد المدرجة للإعفاءات هل هي على سبيل الحصر أم المثال؟ وحوابا على ذلك ومن وجهة نظرنا المتواضعة، بالمواد المحددة لتعداد الإعفاءات هي مواد جاءت على سبيل الحصر لا المثال، وفتح باب المثال هنا قد يسمح في انحلال العديد من المعنيين من هذه الخدمة الإجبارية، كما أن عبارة السبب المقبول الواردة في المادة 15 تعني تلك الأسباب والاعفاءات السالفة شرحها.
كما يعاقب حسب المادة 16 لمدة تتراوح ما بين شهر وسنة وغرامة ما بين 2.000 و 10.000 درهم، كل شخص مقيد في لائحة المجندين المشكلين للفو والذي لم يستجب الفردي أو العام للتجنيد، وكذلك على كل من أخفى عمدا شخصا مقيدا في لائحة المجندين الذين لم يستجيبوا لهذا الأمرأو العام للتجنيد أو حرضه على ذلك أو منعه او حاول منعه بأي طريقة من الطرق من الاستحابة لهذا الأمر.
وتضاعف هذه العقوبات في حالة العود و أثتاء مرحلة الحرب.

      إن الحكومة المغربية وامتثالا لاقتراح ملك البلاد وتعزيزا لسياسة حكمها وتسييرها للقطاع الشغلي اولا و العسكري ثانيا قد وضعت هذا المشروع كخطوة جريئة منها للوصول إلى أهذاف ونتائج متوخاة من وراء هذا المشروع، كما أن المشروع -موضوع الدرلسة- بمواده وأفكاره ومقتضياته السالف شرحها هو الإطار الهيكلي القاني لتحقيق كل تلك النتائج المرجوة، وتبقى استجابة المعنيين بهذا المشروع له والامثثال له والتجاوب معه إيجابا هو أهم ما يمكن أن يعزز الوصول لكل ذلك، فعلى الرغم من إجبارية هذه الخدمة وفرضها فرضا، فإن الروح الوطنية إحساس دفين بالفرد وخاص به ينئ عن كل فرض وإجبار كيفما كان نوعه والعقوبات المحددة له.

لتحميل النسخة الرقمية (PDF):